طهران | مرّت أشهر كثيرة على آخر جولة من المحادثات غير المباشرة بين إيران والولايات المتحدة لإحياء الاتفاق النووي. وإذ أثّر مرور الوقت، إلى جانب أزمات مِن مِثل مزاعم الأوروبيين والأميركيين بدور إيراني إلى جانب روسيا في الحرب الأوكرانية، والاحتجاجات التي شهدتْها الجمهورية الإسلامية على خلفية مقتل الشابّة مهسا أميني، على ظروف إحياء «خطّة العمل الشاملة المشتركة» (الاتفاق النووي)، وجعَلها أكثر تعقيداً من أيّ وقت مضى، إلّا أن الجانبَين الإيراني والأميركي، على رغم ما تقدَّم، يتبادلان الرسائل عبر قطر. وتزامناً مع بدء الجولة الإقليمية لوزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، إلى المنطقة، زار وزير خارجية قطر، محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، طهران، أوّل من أمس، حاملاً معه، كما قال، رسائل من «أميركا وأطراف أخرى» إلى المسؤولين الإيرانيين «حول موضوعات مختلفة». وفي حين لم يتطرّق الوزير إلى فحوى هذه الرسائل، ولم يَذكر «الأطراف» بالأسماء، فهو أشار خصوصاً إلى واشنطن، مؤكداً أنها سلّمت الدوحة عدّة رسائل لتَنقلها إلى طهران. من جهته، أكد وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، تسلُّم رسائل «من أطراف الاتّفاق النووي» عن طريق وزير الخارجية القطري، وأن بلاده ترحّب بـ»أيّ مبادرة» لإجراء «الحوار من أجل رفْع العقوبات». وكانت إيران وسائر أطراف الاتفاق بدأت، بعد مجيء إدارة جو بايدن إلى البيت الأبيض، محادثات اعتباراً من نيسان 2021 في العاصمة النمساوية فيينا، لكن، وبعد أشهر على بدء عمليّة التفاوض، توقّفت هذه الأخيرة من دون التوصُّل إلى نتيجة محدّدة. ومع اندلاع الاحتجاجات، في وقت لاحق في أيلول من العام الفائت، تعطّلت المحادثات بالكامل، بعدما أعلن عدد من المسؤولين الغربيين، بمَن فيهم مسؤولو البيت الأبيض، أن «النووي» لم يَعُد مدرجاً على سلّم الأولويات الغربية، علماً أن وزير خارجية الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، اعتبر، حديثاً، أن «الاتفاق النووي لم يمُت، لكنه لا يتحرّك أيضاً».
وجاءت زيارة الوزير القطري إلى طهران في ظلّ قرار واشنطن تضييق الخناق على إيران أكثر فأكثر. وأثار ازدياد مبيعات النفط الإيراني، خلال الأشهر الأخيرة، خصوصاً إلى الصين التي يبدو أنها تشكّل الوجهة الرئيسة لهذا النفط، قلق واشنطن، التي قال مبعوثها الخاص، روبرت مالي، الأسبوع الماضي، في حوار مع قناة «بلومبيرغ» التلفزيونية، إنه سيتمّ تكثيف الضغوط على بكين لوقف شرائها النفط من طهران. وتُظهر القرائن المتوافرة، لا سيما تصريحات وزيرَي خارجية إيران وقطر، أن «مخاوف وهواجس الطرفَين» التي قد لا تكون على علاقة مباشرة بالصفقة النووية، قد ألقت بظلالها على محادثات إحيائها، وحالت دون اتّخاذ «الخطوات النهائية للتوصّل إلى اتفاق». ويذهب الكثير من الخبراء إلى القول إنه طالما لم تجرَ تسوية تلك المشكلات، وطالما أن التصعيد بين إيران والغرب مستمرّ – لا سيما في شأن المزاعم حول تقديم طهران دعماً عسكريّاً لموسكو في الحرب الأوكرانية -، فإن حظوظ إحياء «خطّة العمل الشاملة المشتركة» ليست عالية. ومن جهة أخرى، فإن تشديد العقوبات الغربية المتعلّقة بحقوق الإنسان، خلال الأشهر الأخيرة، وخصوصاً عقب الاحتجاجات التي شهدتْها إيران، وسّع بدوره الهوة، وزاد من عدم الثقة بين الجمهورية الإسلامية والغرب، وتحوّلت في ذاتها إلى عقبة تعترض طريق تنشيط المسارات الديبلوماسية.
جاءت زيارة الوزير القطري إلى طهران في ظلّ قرار واشنطن تضييق الخناق على إيران
وفي هذا السياق، فإن الخلافات القائمة بين إيران و»الوكالة الدولية للطاقة الذرية» في شأن ملفّ المواقع الإيرانية الثلاثة غير المعلَنة، تمثّل إحدى العقبات الجادّة على طريق بعْث الاتفاق، والتي يبدو أن تسويتها ستكون بمنزلة التمهيد للعودة إلى الخطّة. وكان المدير العام للوكالة، رافاييل غروسي، أعلن، الأسبوع الماضي، أنه سيزور إيران في شباط لإجراء «محادثات ضرورية للغاية»، إذ ثمّة «مأزق كبير» أمام الاتفاق، لافتاً إلى أن طهران تمتلك اليورانيوم اللازم لصنْع «عدّة قنابل ذرية»، لكنّها لم تصنع أيّ سلاح لغاية الآن.
من جهتها، رأت وسائل الإعلام الإيرانية أن توجيه أميركا رسائل إلى إيران عن طريق قطر، يُعدّ مؤشّراً إلى أن الأميركيين، وعلى النقيض من مواقفهم المُعلنة في الإعلام، يبحثون عن سبيل لاستئناف المحادثات مع طهران. وكتبت صحيفة «إيران» الحكومية، أمس، «إن توجيه الرسائل إلى طهران، وبالتحديد عندما يعلن عنها حامل الرسالة في الإعلام، لا يمكن له أن ينطوي على مفهوم سوى أن واشنطن تواجه مأزقاً وضِيقاً، وهي أدركت ضرورة العودة إلى الديبلوماسية مع طهران، بخاصة أن إيران، وبسبب إيجادها طرقاً للالتفاف على العقوبات، حافظت على كميّة مبيعاتها من النفط بأعلى مستوى وبأقلّ التكاليف، وتقوم بأنشطتها النووية السلمية عند أعلى مستوى، وتعمل في ظلّ الاعتماد على تطوير العلاقات الاقتصادية في المنطقة، على جعْل نفسها في موقع لا تكون فيه جاهزة لأدنى تراجع وتقهقر أمام المطالب الأميركية المبالغ فيها في مسار المحادثات».