توجّه السعوديّة نحو الصين: الخيارات والدلالات: واشنطن، طهران، والواقعيّة

الشراكة الإقليمية للصين مع السعودية، وما يترتّب عليها من بناء حضور متنوّع ومستدام لبكين في الشرق الأوسط عموماً وفي منطقة الخليج على وجه الخصوص، ألا تثير هذه الشراكة الناشئة حفيظة وقلق الولايات المتحدة الأميركية، الحليف التاريخي للسعودية على امتداد ما يقرب من ثمانين عاماً، ولا سيما في ظل التنافس القائم بين الصين والولايات المتحدة الأميركية؟

بمعنى آخر، يمكن أن نطرح السؤال بصيغة أخرى وأبعد من مسألة إثارة القلق: إلى أيّ حدّ يمكن للتوترات بين الولايات المتحدة والصين أن تمتدّ إلى الخليج؟ فالصين تحصل على 40٪ من نفطها من دول الخليج، وتعتمد بشكل متزايد على استيراد الغاز الطبيعي من قطر، وتحتفظ الولايات المتحدة بما بين 60 ألفاً إلى 80 ألف جندي يتمركزون في منطقة الخليج.

المثلّث الصيني – السعودي – الأميركي

من الأهمية بمكان أن نفهم جوهر العلاقات الصينية – السعودية، فهي كانت، ولا تزال، علاقة تجارية إلى حدّ كبير وهي تدور حول النفط، والصين أكبر شريك تجاري اقتصادي للسعودية لأن الصين أكبر مستورد للنفط السعودي. وساهمت التطورات في السنوات العشر الأخيرة في كلا البلدين في دفع التعاون الاقتصادي بينهما نحو آفاق غير محدودة، فمن المتوقع أن تتراوح قيمة «مبادرة الحزام والطريق» من 1.2 تريليون إلى 1.3 تريليون دولار بحلول عام 2027، جزء منها سيصرف في الخليج، في حين أن ما رصد من مصادر تمويل لتحقيق أهداف الإصلاح الاقتصادي أو «الرؤية» السعودية، بحلول عام 2030، جعل هذه الشراكة تحت محط الأنظار. ومع ذلك، هناك القليل من التعاون الاستراتيجي بين البلدين.
لا يبدو أن أيّاً من توريد النفط أو مشاريع البنية التحتية أو غيرها من الأمور ما يزعج الولايات المتحدة بشكل خاص؛ ما يشعر واشنطن بالقلق هو أن السعوديين قد يسمحون للصين ببناء منشآت مدنية تخفي غرضاً عسكرياً – على غرار التحرّك الذي أثار الخلافات الأميركية الأخيرة مع الكيان الصهيوني (في ما يتعلق بالإدارة الصينية لأقسام من ميناء حيفا). وبحسب تقديرات الخبراء الأميركيين أنه، في المدى المنظور، لا يوجد سبب لتوقع أن ينشئ الصينيون أي قاعدة عسكرية في السعودية، لكن لا ينبغي استبعاد هذا الاحتمال في العقود القادمة. ففي نهاية المطاف يخشى أن تسعى الصين إلى تحويل نفوذها الاقتصادي في المملكة إلى نفوذ سياسي، كما هي الحال في دول مثل باكستان والفيليبين.

والتخطيط السعودي محمد التويجري في آب 2017 أن المملكة تعتزم تغطية عجز ميزانيتها جزئياً باليوان الصيني لتقليل اعتمادها المالي على الدولار الأميركي. من جهتهم، أعرب العديد من الاقتصاديين الأميركيين عن قلقهم من استعداد السعودية للاقتراض باليوان الصيني، حيث قد يتسبب قرار الرياض في تخلّي الدول الأخرى المصدرة للنفط عن الدولار الأميركي لمصلحة «اليوان البترولي».
وفي خطابه في قمة الرياض الأخيرة في كانون الأول الماضي، قال الرئيس الصيني شي إنه من الآن فصاعداً، ستستخدم الصين اليوان في تجارة النفط من خلال بورصة شنغهاي للبترول وتبادل الغاز الوطني، ودعا دول الخليج العربية إلى التعامل مع بورصة شنغهاي.
وقد سبق للرياض أن هددت بالتخلّي عن استخدام الدولار في تجارة النفط في مواجهة تشريع أميركي محتمل يعرّض أعضاء منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) لدعاوى قضائية لمكافحة الاحتكار، ومن شأن أيّ تحرك سعودي من هذا النوع أن يمثّل زلزالاً سياسياً واقتصادياً يهزّ العلاقات السعودية – الأميركية برمّتها.
ومن بين المسائل الشائكة التي تعكّر صفو العلاقات بين واشنطن والرياض، يبرز التعاون الصيني – السعودي في مجال الطاقة النووية، وتعدّ هذه القضية في غاية الحساسية بالنسبة إلى الولايات المتحدة. فبموجب معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، تمتلك السعودية كل الحق في تطوير برنامجها النووي السلمي، ولديها كل الأسباب للقيام بذلك. وهنا يكمن التعقيد ويثير المخاوف لدى واشنطن أنه عندما تمتلك المملكة قدرات نووية لأغراض الطاقة أو سواها من الاستخدامات السلمية وتحصل على التكنولوجيا اللازمة، من يضمن حينها أن لا تستخدم السعودية هذه القدرات والتكنولوجيا نفسها لصنع أسلحة نووية في شرق أوسط توجد فيه «إسرائيل» الابن المدلّل للولايات المتحدة؟

السعودية في شباط 2018، على الرغم من أن المفاوضات كانت متقطعة منذ عام 2012. وقاد المفاوضات وزير الطاقة ريك بيري، الذي منح «تصاريح سرية» لستّ شركات أميركية لتقديم التكنولوجيا النووية والدعم الفني للمملكة. تُمنح مثل هذه الموافقات من خلال تصاريح الجزء 810 وفقاً للتشريعات الأميركية التي تسمح للشركات بالقيام بأعمال أولية بشأن الطاقة النووية عند التعاون النووي مع دولة أخرى.
وخلال المفاوضات مع السعوديين، كانت الإدارة الأميركية تضغط على المملكة للالتزام بالتخلي عن القدرة على تصنيع الوقود النووي، واستغرقت المفاوضات بعضاً من الوقت، وأصرّت السعودية على أنها لن تتخلى عن التخصيب وإعادة المعالجة، وهو ما لم يكن مطلوباً من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
في تعاملهم مع الدول الأخرى في المجال النووي، أرسى الأميركيون قواعد وأحكاماً خاصة بهم؛ صيغ مصطلح «المعيار الذهبي» (Gold Standard) خلال نهاية إدارة جورج دبليو بوش عندما وُقّعت الصفقة بين الولايات المتحدة والإمارات العربية المتحدة في كانون الثاني 2009، وأعلن أنها المعيار الجديد لاتفاقيات التعاون النووي مع الدول الأخرى، يومها وافقت دولة الإمارات طواعية على هذا النهج لبرنامجها النووي الخاص.

أظهر الكونغرس دعماً من الحزبين لكل من تشجيع أحكام «المعيار الذهبي» ودور أكثر نشاطاً للكونغرس في الإشراف على المفاوضات الجارية مع السعودية على وجه التحديد، وأعرب أعضاء في الكونغرس عن قلقهم إزاء التقارير المتعلقة بتضارب المصالح المحتمل لكبار مسؤولي الإدارة في التفاوض على اتفاقية تعاون نووي مدني بين الولايات المتحدة والسعودية، والسرية حول المفاوضات الحالية والتراخيص المقدمة أخيراً من قبل إدارة ترامب.
تعثرت المفاوضات بين واشنطن والرياض، وبدا أن الاتفاق لا يزال بعيد المنال. لا تريد المملكة التنازل عن حقها في امتلاك أو تطوير تقنيات التخصيب وإعادة المعالجة النووية، في الوقت الذي تتمتع فيه منافستها الإقليمية إيران بهذه المعرفة والقدرة. ويعتقد السعوديون أنه ليس من مصلحتهم التفاوض بشأن هذه القدرة، وزاد الطين بلّة قول وليّ العهد الأمير محمد بن سلمان، في مقابلة مع برنامج «60 دقيقة» في العام 2018 إنه «إذا ما طوّرت إيران قنبلة نووية، فسوف نحذو حذوها في أسرع وقت ممكن». بالتأكيد فلن يكون من السهل على الولايات المتحدة التفاوض على اتفاقية وفق معاييرها التشريعية مع السعودية، كما أنّ من غير المتوقع لأيّ صفقة الحصول على موافقة الكونغرس الأميركي.

أخيراً، يعدّ التعاون الصيني – السعودي في مجال الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات مصدراً للتوتر بين واشنطن والرياض، نتيجة التقاطع الحاصل بين «طريق الحرير الرقمي» (DSR) و«رؤية 2030» السعودية وما يترتب على هذا التقاطع من شمول هذه التقنيات والبرامج لتغطي مختلف المرافق في السعودية مع ما لقطاعَي الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات من الأهمية والخطورة في الوقت نفسه.
ويوماً بعد يوم، كان المزيد من إدارات الدولة في السعودية، بما فيها وزارات من بينها وزارة الدفاع، توقّع اتفاقيات مهمة مع الشركات الصينية مثل «هواوي» التي تخضع لعقوبات مشددة من قبل الأميركيين الذين لا ينفكّون عن تحذير حلفائهم من التعاون مع الصينيين في قطاعات التكنولوجيا، وخاصة تلك التي تنطوي على شبكات 5G. لقد أثبتت التعاملات مع «هواوي» بالفعل أنها نقطة خلاف مهمة بين الولايات المتحدة ودولة الإمارات، لاعتقادهم بأن لديها باباً خلفياً قد يؤدي إلى سرقة البيانات أو تخريبها.