28.4 C
Beirut
الخميس, سبتمبر 19, 2024
spot_img
28.4 C
Beirut
الخميس, سبتمبر 19, 2024
spot_img
28.4 C
Beirut
الخميس, سبتمبر 19, 2024
spot_img

منطق رد الفعل يحكم العدوان على غزة.. وحسابات أميركية قد تمنع التفجير الكبير

تاريخ النشر

“دموعنا تتساقط عند رؤية جنود جفعاتي يسقطون”،إنه بيني غانتس؛ عضو حكومة الطوارئ الإسرائيلية الذي يتردد اسمه كبديل لنتنياهو على رأس حكومة الاحتلال، باعتباره من أبرز المقربين إلى الإدارة الأميركية. تعلن “إسرائيل” وجعها جهاراً وبيتها الداخلي في فوضى عارمة. المقاومة تحقق انتصارات ميدانية بمنطق حرب الشوارع، بالرغم من الأثمان الغالية التي دفعتها من أرواح المدنيين الفلسطينيين، لكن الاستثمار السياسي لهذه المعركة تشوبه الكثير من الضبابية فلسطينياً.

أما “إسرائيل”، فهي تلملم الخسائر حتى إشعار آخر. السيناريوهات تتراوح بين الإطاحة القريبة باليمين المتطرف الحاكم، وصولاً إلى ترجيحات ذات خلفيات دينية يتبناها سياسيون إسرائيليون يسار، ومفادها أن هذا الكيان في طريقه إلى الزوال.

بعد مرور شهر على بدء هذه الحرب، كيف تبدو الصورة إسرائيلياً؟ “تل أبيب” عالقة في حرب برية ستفضي إلى مزيد من الاستنزاف الصعب لجيشها، ومواجهات عن قرب في حرب مدن تبدو حماس مهيأة جداً لها.

وبينما تستكمل “إسرائيل” حربها على جزء من مساحة غزة الضيقة مدعومة بحاملات الطائرات الأميركية التي انضمت إليها مؤخراً غواصة نووية تنحو صورتها في العالم إلى مزيد من التصدع؛ فهناك دول تقطع علاقاتها بها ودعوات شعبية لطرد سفرائها، ومقاطعة للمنتجات الداعمة لها في كل أرجاء العالم، واقتصادها تتوالى خسائره، إذ إن كلفة الحرب وحدها، بحسب صحيفة “كالكاليست” الاقتصادية الإسرائيلية، ستصل إلى 200 مليار شيكل (51 مليار دولار أميركي)، وهو ما يعادل 10% من الناتج المحلي الإجمالي.

“إسرائيل” التي تقود الحرب بوحشية لا مثيل لها يبدو كأنها غارقة في منطق رد الفعل حتى بعد أسابيع على بدء الحرب. ولعل “أطرف” تجلياته كان دعوة وزير التراث الإسرائيلي عميحاي إلياهو إلى إلقاء قنبلة نووية على قطاع غزة كأحد الخيارات المطروحة للقضاء على حركة حماس، وهو منطق يثير توجس حلفائها في البيت الأبيض الذين عبروا عن القلق إزاء افتقار “إسرائيل” إلى استراتيجية خروج من حرب غزة، بحسب صحيفة “هآرتس” العبرية.

منطق رد الفعل الذي انتهجته “تل أبيب” منذ انطلاق اعتداءاتها الجوية ينم عن سلوك سياسي وعسكري متطابق مع السلوكات الفردية العصابية وغير المتوازنة التي تجيب فحسب عن سؤال محير: كيف يمكن لعملية بمقومات بدائية نسبياً أن تنتهك حرمة تحصيناتها وتسخف أسطورتها العسكرية والاستخباراتية وتظهرها أضحوكة؟

باختصار، لقد أثبتت هذه العملية أن “إسرائيل” غير قادرة على حماية مواطنيها، وأن عمقها معرض للهجمات، وأن قبتها الحديدية لم تفلح في التصدي لكل الصواريخ!

صحيح أن “تل أبيب” تمكّنت بعيد العملية مباشرة بدعايتها من استعطاف الرأي العام في العالم الغربي، ونالت دعم أصدقائها المعروفين، إذ أشعلت بالتوازي مع بدء هجومها على غزة حربها الإعلامية التي ربطت بين حماس و”داعش”، وأظهرت مظلوميتها للعالم من خلال استعراض قتل وخطف “مدنييها”، وأقنعت حكومات عديدة بحقها في الدفاع عن النفس، حتى ولو بالصور المزيفة.

وما هي سوى أيام قليلة حتى بدأ المشهد يتبدل، فالحرب الجوية التي خاضتها كانت ضد المدنيين والمستشفيات وأماكن العبادة، فلم يكن حصاد إنجازاتها إلا الإيغال في دماء المدنيين والأطفال والنساء من دون أن تحقق أي شيء من أهدافها العسكرية ضد حماس، فكان القرار الصعب والمتردد بالحرب البرية التي أعادت تقديم أسطورة الجيش القوي على شكل مهزلة في الالتحام الصفري مع مقاومي حماس، ما أثبت ويثبت أن معركة حرب المدن ستكون خاسرة بمقاييس كثيرة، إذ ستكبد الجيش الإسرائيلي خسائر كبيرة، ولن تستطيع تحقيق الأهداف المعلنة للحرب.

وبالرغم من الدعم السياسي والعسكري الغربي والأميركي، وخصوصاً الذي بدا غير مشروط، لـ”تل أبيب”، بدأنا نسمع أصواتاً من الإدارة الأميركية تنقلها محطات تلفزيونية معروفة تعرب عن القلق من أن الولايات المتحدة قد تصبح معزولة أكثر فأكثر بسبب التحالف الوثيق مع “إسرائيل” وسط تفاقم مشهد الأزمة الإنسانية في غزة.

وقد نقلت عن مسؤول أميركي كبير أنَّ الإدارة تشعر بالقلق بشكل خاص بشأن سردية مفادها أن بايدن يدعم جميع الأعمال العسكرية الإسرائيلية، وأن الأسلحة المقدمة من الولايات المتحدة استخدمت لقتل المدنيين الفلسطينيين، وكثير منهم من النساء والأطفال، ما يشير إلى أن الأميركيين ورئيسهم الذي يعد العدة للانتخابات ربما كانوا غير ميالين إلى المزيد من التورط في حماية ربيبتهم من دون شروط بالرغم من كل المظاهر.

ولكن مما لا شك فيه أن الحرب التي تخوضها “إسرائيل” باتت في صلب المشهد الانتخابي الأميركي، بحيث يبدو بايدن بين سندان ضغط الجاليات المسلمة وبعض الديمقراطيين الذين يهددون بحجب الدعم والتبرعات ما لم يُتخذ قرار فوري بوقف النار ومطرقة الجمهوريين الذين يستفيدون من الحرب لاستجلاب دعم اللوبي الصهيوني، فيزايدون على بايدن بخطة دعم لـ”إسرائيل” بـ14.3 مليار دولار في مواجهة خطة دعم بايدن التي تمنح “إسرائيل” مساعدة من ضمن حزمة دعم دولية متكاملة للحلفاء.

وسط هذه المعطيات، يبدو بايدن داعماً لـ”إسرائيل”، لكنه غير مستعد لمجاراة اندفاعتها، ما قد يرسم توقعات حول حدود تدخل الإدارة الحالية في المشهد الحربي الدائر، بالرغم من رغبة “إسرائيل” في مسابقة الوقت للاستفادة من الوجود الأميركي لتحقيق ولو مكسب واحد لنتنياهو الذي تتهاوى شعبيته كثيراً، بحيث أظهر آخر استطلاع للرأي أعدته القناة الإسرائيلية 13 أن 67% من الإسرائيليين يعتقدون أن عليه أن يستقيل فوراً من منصبه أو بعد نهاية القتال في غزة.

ربما يكون ذلك بالنسبة إلى بايدن شرط تغيير سياسي في الداخل الإسرائيلي، وأمراً ضرورياً وفق صحيفة “بوليتيكو” التي كشفت أن الرئيس الأميركي ناقش مع كبار مساعديه احتمال أن تكون أيام رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو كسياسي معدودة حتى إتمام ما وصفته الصحيفة بالمرحلة الأولية من العملية العسكرية الإسرائيلية في غزة.

وفي مقال لكاتب روسي نقله موقع “أر تي أن”، يرى مجتمع الاستخبارات الأميركي أن الحرب بين حركة حماس الفلسطينية و”إسرائيل” يمكن أن تؤدي إلى زيادة ما وصفه بالنشاط الإرهابي في الولايات المتحدة؛ ففي حديثه في جلسات استماع في مجلس الشيوخ، لم يستبعد مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي كريستوفر راي إمكانية أن يبدأ من وصفهم بالمتطرفين من الشتات العربي الذين يعيشون في الدول الغربية في استلهام المثال الفلسطيني.

في أي حال، إنها قراءة، وإن كانت لا ترجح في المحصلة الحرب الشاملة، بالرغم من كل المعطيات الميدانية، لكن الخطورة تكمن في أن الوقت يضيق على كل الأطراف، فيما تبدو “تل أبيب” ماضية في خطة اللاعودة، لعلها تستطيع بتحويل غزة إلى أرض محروقة تسجيل انتصار ما، وخصوصاً أنها تجاهر بطموح إدارة القطاع أمنياً، وهي أمنية أصعب تحققاً من القضاء على حماس!

قد يكون من المبكر توقع أي “إسرائيل” ستكون بعد “طوفان الأقصى”. التبدل السياسي سيكون من البديهيات وفق المؤشرات المختلفة، لكن زلزال الطوفان سيترك بصمته حكماً على ما هو أعمق من “المستوى السياسي”!

رلى أبو شقرا

المصدر: الميادين نت.

 

أخبار ذات صلة

spot_img